كيف تكتب مراجعة فيلم بأسلوبك الخاص: بين الشجاعة والاحتراف


في عالم مزدحم بالآراء والمنصات، تبدو مراجعة الأفلام مهمة سهلة ظاهريًا. يكفي أن تقول إن الفيلم كان "جيدًا" أو "سيئًا"، أليس كذلك؟

لكن الحقيقة أن النقد السينمائي الجيد يتطلب أكثر بكثير من مجرد رأي. إنه يتطلب صوتًا شخصيًا، معرفة تقنية، وجرأة على التعبير.

في هذا المقال، ندمج بين رؤيتين من عالم النقد:
الأولى من الناقد الأسطوري روجر إيبرت وزميله جين سيسكل، و اللذين يسلطان الضوء على الصدق والنبرة الشخصية في كتابة المراجعات.
والثانية من محررة موقع Film Inquiry مونا ريدر، والتي تقدم نصائح عملية واضحة لكيفية كتابة مراجعة فيلم متماسكة ومقنعة.

لنبدأ من الأساس.


1. لا تكن موضوعيًا… كن صادقًا

كان روجر إيبرت يقول دائمًا: "رجل ذهب إلى السينما، فعلى الناقد أن يكون صادقًا كفاية ليعترف بأنه هو ذلك الرجل."
ما يعنيه أن النقد ليس علمًا موضوعيًا، بل هو تجربة ذاتية، عليك أن تعترف بها.

الخطأ الشائع لدى كثير من النقاد المبتدئين هو اعتماد أسلوب رسمي باهت، مليء بالعبارات الأكاديمية والجمل المعقدة، وكأنهم يكتبون لأستاذ جامعي لا لقارئ متحمس. هذا الأسلوب يفتقر إلى الحياة والطاقة، ولا ينقل أبدًا ما شعرت به أنت.

إيبرت وسيسكل اتفقا على أن الكتابة بصيغة المتكلم (أنا) ضرورية. النقد الجيد لا يقول: "الفيلم مضحك" بل: "ضحكت بشدة أثناء المشاهدة، وهذا ما أثار ضحكي..."

✦ إذًا، ابدأ من نفسك، لا من الجمهور. تخلّ عن "الصوت الرسمي" واكتب بصوتك الحقيقي.


2. افهم بنية المراجعة: البداية والوسط والنهاية

بحسب مونا ريدر، كل مراجعة جيدة تتكوّن من:

  • مقدمة:
    ابدأ بحكاية، أو معلومة مثيرة عن صُناع الفيلم، أو فقرة تمهيدية تشعل اهتمام القارئ. حدّد في البداية هدف مقالتك هل ستناقش تجربة الفيلم؟ أداؤه الفني؟ رسالته السياسية؟

  • الجزء الأوسط (التحليل):
    هنا تُسرد الحبكة بحذر، وتقدّم حججك المؤيدة أو المعارضة للفيلم.
    لا تكتب: "الأداء كان جيدًا." بل صف تأثيره عليك: "كان أداء الممثلة صادقًا إلى درجة أنني شعرت باختناق في المشهد الختامي."

ناقش التصوير، الإخراج، الموسيقى، الإضاءة، وفكّر دائمًا بالسؤال: لماذا؟
لماذا كان التصوير مؤثرًا؟ ما التقنية المستخدمة؟ هل اللقطات الواسعة خدمت القصة؟ هل الإضاءة دعمت التوتر؟
إن لم تكن تملك معرفة بصناعة الفيلم، ابحث واقرأ. النقد الجيد يتطلب فهمًا حقيقيًا للعملية السينمائية.

  • الخاتمة:
    لا تضف معلومات جديدة هنا. اختصر أفكارك السابقة، وانهِ بسؤال مثير للقارئ، أو تأمل ختامي.


3. لا تفسد الفيلم: متى تتوقف عن كشف الحبكة؟

احذر من الإفراط في كشف الأحداث. مونا تقترح أن لا تتجاوز في وصفك منتصف الفيلم أو نهاية الفصل الأول. الهدف هو أن تعطي فكرة عن الموضوع، لا أن تسرد القصة.

تحدث قليلًا عن الشخصيات، والمخرج، وربما مدير التصوير أو الملحن إن كان عملهم لافتًا.
لكن كن حذرًا. المراجعة ليست ملخصًا للفيلم، بل نافذة على تجربتك الشخصية معه.


4. لا تكتب "جيد" أو "سيء"... بل فسّر لماذا

من أكثر الأخطاء شيوعًا أن يكتب النقاد المبتدئون:
"التصوير جميل، الإخراج ممتاز، الموسيقى ساحرة."
لكن… لماذا؟ وكيف؟ بماذا شعرنا؟

ابدأ بالوصف. هل التصوير كان ثابتًا أم مهتزًا؟ هل استخدمت الإضاءة الباردة لإيصال الشعور بالوحدة؟ هل اعتمد المخرج على لقطات مقربة لتكثيف التوتر؟

وإن أعجبك أداء ممثل ما، فاشرَح أثره عليك: كيف عبّر عن الانكسار؟ هل كانت نظرته كافية لنقل مشاعره دون كلام؟
هنا تبدأ الكتابة النقدية في التميز.


5. ضع الفيلم في سياقه

أي فيلم لا يوجد في فراغ. قارنه بأعمال سابقة للمخرج، أو بأفلام مشابهة في النوع أو الفكرة.
هل هو امتداد لتقليد معين؟ هل يقتبس من أفلام كلاسيكية؟ هل يناقش قضايا معاصرة؟

مونا ريدر تؤكد أن فهم السياق يجعل المراجعة أعمق وأكثر إقناعًا.
مثال: "هذا الفيلم يستلهم رؤيته البصرية من أفلام الخيال العلمي في السبعينات، مثل 2001: A Space Odyssey، لكنه يعيد تأويلها برؤية ما بعد حداثية."


6. لا ترضِ أحدًا... واكتب بشجاعة

يحذر إيبرت من أن الرغبة في أن تكون محبوبًا قد تقتل روح الناقد.
لا تكتب ما تعتقد أن الناس يريدون سماعه.
ولا تسكت خوفًا من أن يُساء فهمك. النقد الشجاع هو النقد الذي يُقال فيه ما يجب أن يُقال.

وهو أيضًا الذي لا ينحني للصواب السياسي، أو لما هو "مقبول اجتماعيًا". فالمراجعة الجيدة تُفكر، لا تُجامل.


7. نصائح أخيرة من محرّرة محترفة

مونا ريدر، التي راجعت آلاف المقالات، تنهي نصائحها بالتالي:

  •  راجع قواعدك النحوية والإملائية – الأخطاء تضعف مصداقيتك.

  •  اقرأ مقالك بصوتٍ عالٍ قبل النشر – ستكتشف الأخطاء التي لم تلاحظها بعينيك.

  •  ارشد القارئ – لا تختصر الأفكار وتفترض أنه يعرف ما تعرفه.

  •  لا تخف من استخدام كلمات أكثر – الكتابة الواضحة أفضل من الاختصار الركيك.


خاتمة: النقد هو أن تقول "هذا ما شعرت به"

سواء كنت تبدأ رحلتك النقدية، أو تسعى لتطوير أسلوبك، تذكّر أن أفضل مراجعة تكتبها هي تلك التي تنقل ما شعرت به أنت لا ما يُفترض أن تشعر به.

اكتب بضمير المتكلم.
تعلّم من الكبار، وكن نفسك.
فلا أحد يمكنه أن يكتب مراجعتك كما تفعلها أنت.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عشرة نصائح في الكتابة والإخراج من دينيس فيلنوف

أفضل 11 شريرًا في تاريخ السينما

عشرة أدوار لا تُنسى لمايكل مادسن