تحقيق التوازن بين أفلام الاستوديو والأفلام المستقلة مع المخرج بليك سيمون
رغم أن مصطلح "النجاح" في صناعة السينما لا يعني الشيء نفسه للجميع، إلا أن تحقيقه يظل بنفس درجة الصعوبة التي يصعب معها تعريفه. بالنسبة للعديد من صانعي الأفلام، فإن "النجاح" ليس هدفًا نهائيًا بقدر ما هو حالة مستمرة من العمل والمثابرة.
لذا، نجد معظم العاملين في هذه الصناعة يسعون ببساطة لصنع الأفلام بأي وسيلة ممكنة سواء كان ذلك من خلال تولي أدوار صغيرة في أفلام استوديوهات كبرى، أو بإخراج أفلام قصيرة مستقلة من صنعهم الخاص.
وفي تغطيتنا لمهرجان فانتاستيك هذا العام، سعدنا بلقاء صانع الأفلام بليك سيمون للحديث عن مسيرته المميزة التي تنقّل فيها بين الأفلام المستقلة وأفلام الاستوديو، وعودته إلى الأفلام المستقلة. كما استخلصنا منه بعض الرؤى حول كيفية إنجاز فيلمه القصير ذي الطابع الأسلوبي والمنتمي لأفلام الرعب الهجينة "وجوه" (Faces)، والذي يُعرض في مهرجان فانتاستيك بعد أن فاز بالجائزة الذهبية لأفضل فيلم قصير دولي في مهرجان فانتازيا 2024.
No Film School: من أين جاءت فكرة فيلم "وجوه"؟ وكيف كان مسار تحويل هذه الفكرة إلى فيلم قصير؟
بليك سيمون: جاءت الفكرة من شيء شهدته في الأشخاص المقربين مني، أمر لم نكن نتحدث عنه بصراحة. الفكرة أن الإنسان نادرًا ما يكون راضيًا تمامًا عن هويته. رأيت بأمّ عيني أناسًا أحبّهم يحملون ثقلًا من عدم الرضا، يحاولون تجاوزه عبر تغيير جوانب من هويتهم. أحيانًا تكون تغييرات بسيطة: ساعة جديدة، قطعة ملابس، وأحيانًا تغييرات جذرية: في التصرف، أو الشكل، أو المظهر الخارجي.
إنه موضوع دقيق، فنحن نعيش في ثقافة تدعم التعبير عن الذات، وهذا أمر جميل. لكن عندما لا تحقق هذه الاستكشافات الذاتية ما نرجوه، ويصفّق لنا من حولنا وكأنهم مضطرون لذلك، فإن هذا الزيف كان مرعبًا بالنسبة لي. ومن هنا وُلد فيلم "وجوه" تجسيداً للجانب المظلم من البحث عن الهوية، شيء قد يطال أيًّا منّا.
أما عن تنفيذ الفيلم، فكان لدي فريق رائع من رؤساء الأقسام أعمل معهم منذ سنوات، بقيادة المنتجين ليز هولاند وجاريد سيلسر. أرسلت لهما السيناريو، أحبّاه وبدآ على الفور في إجراء الاتصالات. تم إنجاز الفيلم بسرعة لأننا وضعنا لأنفسنا موعدًا نهائيًا. أحب العمل وفق مواعيد نهائية، لأنها تدفعك لإنجاز الفيلم وعدم التسويف.
كما أنني كنت على وشك الزواج، فكان لابد من إنجاز التصوير قبل ذلك!
NFS: حدّثنا عن مسارك المهني بين الأفلام المستقلة وأفلام الاستوديو. كيف أثّر أحد المسارين على الآخر؟
سيمون: بدأت مسيرتي بصناعة الأفلام بطريقة "اصنعها بنفسك"، كنت أرتدي جميع القبعات وأعلّم نفسي كل المهام: كتابة، تصوير، إضاءة، إخراج، صوت، مونتاج… لأنني لم أجد من يعلّمني. بدأت في المدرسة الثانوية، ولم أحصل على تعليم رسمي في السينما إلا في الجامعة، لكن أقول بصراحة: النهج الذاتي هو أفضل تجربة تعليمية ممكنة. عندما تخوض كل وظيفة بنفسك، تتعلم أكثر مما تتعلمه من أي كتاب.
ذهبت إلى مدرسة السينما (LMU) واستمتعت جدًا بالتجربة. هي مكان رائع للقاء صنّاع أفلام يشبهونك في الفكر، ولصقل مهاراتك وصوتك كفنان. لكن امتلاك خلفية ذاتية هو ما يميزك عن أولئك الذين لم يلمسوا الكاميرا إلا حين احتاجوا للدرجات.
منذ تخرّجي، واصلت صناعة أفلامي القصيرة بالتوازي مع عملي في أفلام الاستوديوهات الكبرى. وإن كنت قد تعلّمت شيئًا واحدًا، فهو أن الأمر واحد. المشاكل التي تواجهها في فيلم استوديو ضخم هي نفسها التي تواجهها في عالم الأفلام المستقلة: خطأ في أوراق التصاريح، أو ضرورة مغادرة الموقع بوقت معين، أو إصابة ممثل بالمرض. نعم، في الأفلام الكبيرة ستحصل على أدوات مذهلة مثل الكرين وغيرها، لكن هذا ليس جوهر السرد القصصي.
يجب أن تكون قادرًا على رواية قصة من خلال الشخص الذي أمام العدسة، دون كل تلك الأدوات. لا يهم إن كان هذا الشخص نجمًا سينمائيًا أو ممثلاً من تجارب أداء مفتوحة. إن لم تستطع صنع مشهد جيد مع هذا الممثل، فالأرجح أنك لن تصنعه حتى مع نجم حاصل على الأوسكار. الأمر كله في رعاية المشهد واكتشاف السحر فيه.
NFS: ما الكاميرا التي استخدمتموها ولماذا؟
سيمون: استخدمنا كاميرا ARRI Amira. إنها كاميرا رائعة ويمكنني التحدث كثيرًا عن مزاياها، لكنني أود أن أؤكد على أمر مهم لكل من يقرأ هذا: الكاميرا ليست كل شيء. كان بإمكاني تصوير "وجوه" بأي كاميرا، وسأقول إن الإضاءة والصوت أهم بكثير من نوع الكاميرا.
مدير التصوير، أندرو فرونتشاك، عبقري بحق. اخترنا "أميرا" لأسباب معينة، لكن في النهاية، ما يجعل الفيلم يبدو كما هو، هو فهم أندرو للقصة وللمشاعر، وقدرته على نقل الانفعالات الأساسية بالإضاءة.
NFS: لاحظنا الكثير من المؤثرات الضوئية الممتعة في الفيلم، كيف تعاملتم مع إخراج هذه اللحظات المرعبة؟
سيمون: تذكّر عندما قلت إنني بدأت بأسلوب "اصنعه بنفسك"؟ معظم المؤثرات الضوئية في الفيلم كانت ببساطة شخصًا—غالبًا مساعدتي في الإخراج ليز هولاند—يقوم فعليًا بتشغيل الضوء وإطفائه يدويًا. أحيانًا كنا نستخدم خيط صيد أو حبل، وأحيانًا لم يكن هناك خيار سوى أن تقف ليز داخل الكادر، ليقوم مشرف المؤثرات البصرية جيف ستيفنسون بإزالتها لاحقًا في المونتاج.
لم يكن المنظر "احترافيًا" أثناء التصوير، لكن من يهتم؟ لن يعرف أحد ما فعلته حين يشاهد المنتج النهائي. أنجز الفيلم بأي وسيلة ممكنة.
NFS: هل شاهدت أفلامًا معينة أو استلهمت من أعمال رعب أخرى أثناء تنفيذ "وجوه"؟
سيمون: نعم ولا. لا أشاهد عادة أفلامًا قبل التصوير مباشرة، خوفًا من أن أستلهم فكرة أشعر بالحاجة لنسخها. لكن بالطبع للفيلم مصادر إلهام.
بصريًا، فيلم Dressed to Kill لبراين دي بالما كان له التأثير الأكبر، فأنا أحب هذا الفيلم، وتصويره الليلي مذهل للغاية. كما أن فيلم It Follows يعيش في رأسي باستمرار، لذا من المؤكد أن له صدى في عملي.
أردنا للفيلم أن يحمل روح أفلام الرعب الكلاسيكية من الثمانينيات، لكن بطريقة سردية حديثة تلتف على هذا النوع وتقدمه من منظور جديد.
NFS: ما النصيحة التي توجهها لصانعي أفلام الرعب الطموحين ممن يريدون بدء مسيرتهم الآن؟
بليك سيمون: أولاً، ابحث عن فكرة، أو شعور، تحس به بصدق وتريد استكشافه، حتى لو كان يخيفك أو تخجل من الحديث عنه فهذا أفضل! هذا ما سيجعل قصتك مميزة وسط سيل الأفلام التي لا تعدو كونها تحية لأعمال سابقة.
بعد أن تجد هذه الفكرة، اصنع فيلمك بأي وسيلة. تواصل مع أشخاص تُعجب بأعمالهم، وانظر إن كانوا مستعدين للتعاون معك أو لترشيح آخرين. وتذكّر، سيكون الأمر مخيفًا. صناعة الأفلام دائمًا مرعبة، ومن الطبيعي أن تشعر بالخوف لكن افعلها رغم ذلك.
وأخيرًا، تحلّ بالصبر. هذه أصعب نصيحة، لأن كل شيء سيستغرق وقتًا أطول مما تتمنى. صدّقني. فقط لا تتوقف أبدًا.
تعليقات
إرسال تعليق
هل أعجبك المقال؟ شاركنا رأيك!
نحن نؤمن أن السينما تصبح أكثر إلهاماً حين نناقشها سوياً.