ملاحظات ستانلي كوبريك النادرة حول صناعة الأفلام
في عام 1960، كان ستانلي كوبريك لا يزال في بدايات مسيرته المهنية، لكنه كان قد كوّن بالفعل آراء واضحة حول فن صناعة الأفلام. وحتى اليوم، لا تزال هذه اللمحات النادرة من أفكاره المبكرة تحمل الكثير مما يمكن تعلّمه والاستفادة منه.
وفي 4 ديسمبر من عام 1960، قدّم كوبريك آراءه حول صناعة الأفلام لمجلة The Observer Weekend Review. وفيما يلي بعض من أبرز ملاحظاته:
لا أعتقد أن الكتّاب أو الرسامين أو صانعي الأفلام يعملون لأن لديهم شيئًا بعينه يرغبون في قوله، بل لأن لديهم شيئًا يشعرون به. وهم يحبون الشكل الفني ذاته؛ يحبون الكلمات، أو رائحة الطلاء، أو السيلولويد والصور الفوتوغرافية والعمل مع الممثلين. لا أظن أن فنانًا حقيقيًا قد وجّه عمله من منطلق تعليمي بحت، حتى لو ظن أنه يفعل ذلك.
صناعة أي فيلم، مهما كان السياق التاريخي أو حجم الديكورات، يجب أن تُقارب بالطريقة نفسها تقريبًا. عليك أن تكتشف ما الذي يحدث في كل مشهد، وما هي الطريقة الأكثر إثارة لتمثيله. في "سبارتاكوس"، سواء احتوى المشهد على مئات الأشخاص في الخلفية، أو جرى أمام جدار، كنت أتعامل مع المشهد أولًا وكأنه لا يوجد شيء في الخلف. بعد التمرين، نبدأ بوضع الخلفية.
أعترف أنني لم أفكر كثيرًا في نسب الشاشة العريضة بعد أول يومين. أعتقد أن هناك مبالغة في التركيز عليها. فهي مجرد شكل آخر للتكوين البصري: لبعض المشاهد تكون الشكل الأنسب، ولأخرى لا تفرق كثيرًا. بدلًا من أن يقف الممثلون على مسافة قدمين، قد تجعلهم يقفون على مسافة أربع أقدام؛ أو تضع شيئًا في الزاوية لملء التكوين. أما بالنسبة للشاشة الكبيرة، فالشاشة الكبيرة تصبح صغيرة من مؤخرة القاعة، والشاشة العادية تبدو كبيرة من الصفوف الأمامية.
لم أصادف في الآونة الأخيرة أفكارًا جديدة مهمة في السينما تتعلق بالشكل الفني. أرى أن الانشغال بأصالة الشكل غالبًا ما يكون أمرًا عقيمًا. فالشخص المبدع بحق، ذو العقلية الأصلية، لن يكون قادرًا على العمل ضمن الشكل القديم، بل سيفعل شيئًا مختلفًا تلقائيًا. أما الآخرون، فمن الأفضل لهم أن يروا الشكل الفني كتقليد كلاسيكي ويحاولوا العمل ضمن إطاره.
أرى أن أفضل الحبكات هي التي لا تبدو كحبكات على الإطلاق. أحب البداية البطيئة، تلك التي تتسلل تحت جلد الجمهور وتورطهم، بحيث يمكنهم تذوق النغمات الرقيقة والتفاصيل الناعمة، دون أن يُضربوا على رؤوسهم بعُقد الحبكة وخطافات التشويق.
عند تصوير فيلم، يستغرق الأمر بضعة أيام فقط للاعتياد على طاقم العمل، لأن الأمر يشبه خلع الملابس أمام خمسين شخصًا. وبمجرد أن تعتاد عليهم، فإن وجود شخص واحد إضافي على موقع التصوير يصبح مزعجًا ويؤدي إلى توتر الممثلين، ولي شخصيًا كذلك.
تشعر برغبة في أن تركض نحو ذلك الشخص الذي يشاهد وتشرح له: "انظر، هذا المشهد يأتي بعد ذلك المشهد، وليس لدينا سوى هذه اللقطة الأخرى، والسبب في صراخها هو كذا وكذا..."، وهكذا.
ربما يكون السبب في أن الناس يجدون صعوبة أكبر في تقبل النهايات التعيسة في السينما مقارنةً بالمسرح أو الرواية، هو أن الفيلم الجيد يندمج معه المشاهد بشكل عميق لدرجة تجعل النهاية المأساوية لا تُحتمل تقريبًا. لكن ذلك يعتمد على القصة، فهناك وسائل يستطيع بها المخرج أن يخدع الجمهور لتوقّع نهاية سعيدة، ووسائل أخرى لتلميح حتميّة النهاية التعيسة بطريقة خفية.
في أفلام الجريمة، الأمر يشبه مصارعة الثيران: هناك طقس ونمط يقضي بأن المجرم لن ينجو، ويمكنك تعليق هذا الإدراك مؤقتًا، لكن في أعماقك تعرف وتتهيأ لحقيقة أنه لن ينجح. هذا النوع من النهايات أسهل قبولًا.
ما يزعجني دائمًا هو أن النهاية كثيرًا ما تُدخل نغمة زائفة. هذا ينطبق خصوصًا إذا كانت القصة لا تركز على نقطة واحدة مثل: "هل ستنفجر القنبلة الموقوتة في الحقيبة؟". حينما تتعامل مع شخصيات وإحساس بالحياة، فإن معظم النهايات التي تبدو كنهايات هي في الواقع زائفة، وربما هذا ما يزعج الجمهور؛ فقد يشعرون بالافتعال في النهاية الحزينة.
ومن ناحية أخرى، إذا أنهيت القصة بتحقيق أحدهم لهدفه، دائمًا ما أشعر أن هناك شيئًا ناقصًا، لأن ذلك يبدو وكأنه بداية لقصة أخرى. أحد الأشياء التي أحبها في أعمال جون فورد هي نهاياته غير الذروية – نهاية بعد أخرى، بشكل متدرج، فتعطيك شعورًا بأنك ترى الحياة، وتتقبل الأمر.
يُفترض أحيانًا أن الطريقة المثلى لصنع أفلام كما ترغب تمامًا، دون التفكير في شباك التذاكر، هي الاستغناء عن النجوم من أجل تقليل الميزانية. في الواقع، تكلفة الفيلم عادةً لا تتعلق كثيرًا بما يحصل عليه الممثلون، بل بعدد أيام التصوير، ولا يمكنك صناعة فيلم بأفضل ما يمكن دون الوقت الكافي.
هناك قصص يمكن أن تُنجز بسرعة وبشكل جيد خلال ثلاثة أسابيع. لكن هذا ليس الطريق لتحقيق الإمكانات القصوى لفيلم تطمح فيه. لذا، غالباً ليس هناك جدوى من الاستغناء عن النجوم والتوجه لدور العرض الفنية فقط. فباستخدام النجوم، وبالوصول إلى شبكات التوزيع، يمكنك شراء الوقت اللازم لإنصاف الفيلم.
كثيرًا ما يُطرح السؤال: "ألا يؤثر التصوير في مواقع حقيقية على واقعية الفيلم وجودته الفنية؟" شخصيًا، وجدت أن العمل في مواقع حقيقية أو في الهواء الطلق تجربة مشتتة، ولا تتمتع بالبساطة الكلاسيكية التي يتمتع بها استوديو التصوير، حيث يسود الظلام، وتأتي الإضاءة من أماكن محددة، ويكون المكان هادئًا وتستطيع التركيز، دون القلق من وجود 500 شخص خلف الحاجز الأمني على بُعد شارع، أو عن مليون تشتيت آخر.
أعتقد أنه تم المبالغة كثيرًا في أهمية التصوير في المواقع الخارجية. نعم، هو مفيد حين يكون الجو والمكان والظروف هي الشيء الأساسي في المشهد. أما في القصص النفسية، حيث تكون الشخصيات ومشاعرها الداخلية هي المحور، فالأفضل هو الاستوديو. التصوير في موقع مغلق يمنح الممثل تركيزًا أفضل وقدرة أكبر على توظيف إمكاناته.
حينما كنا نصوّر "سبارتاكوس"، ناقشت هذه النقطة مع أوليفييه و أوستينوف، وأكّدا أن العمل في الهواء الطلق يُشعرهم أن طاقتهم تتلاشى، وأن تركيزهم يتبخر. كانوا يفضلون نوع التركيز الداخلي الذي يحدث في الاستوديو، حينما تسلط الأضواء عليهم وتحيطهم الديكورات. أما في الخارج، فكل شيء يتلاشى، بينما في الداخل يحدث نوع من التمركز الداخلي للطاقة البدنية.
الأمر المهم في السينما ليس النجاح بقدر ما هو تجنّب الفشل، لأن كل فشل يحدّ من فرصك المستقبلية لصناعة الأفلام التي ترغب بها.
يبدو أن الناس اليوم يواجهون صعوبة كبيرة في تحديد ما إذا كانت الشخصية في الفيلم طيبة أم شريرة – وخاصة صانعو الفيلم أنفسهم. كأنهم يوزّعون 25 سنتًا من الطيبة، ثم 25 سنتًا من الشر، وفي نهاية القصة تحصل على توازن مثالي!
أرى أنه من الضروري، إن كان الرجل طيبًا، أن نُظهر أين يكمن شرّه؛ وإن كان قويًا، أن نبيّن لحظات ضعفه. ويجب ألا نحاول أبدًا تفسير كيف أصبح كما هو، أو لماذا فعل ما فعله.
ليس لديّ أفكار ثابتة حول صناعة أفلام في أنواع معينة مثل أفلام الغرب أو الحرب. لكنني أعلم أنني أرغب في صنع فيلم يعطي إحساسًا بعصرنا قصة معاصرة تعكس الزمن نفسيًا، وجنسيًا، وسياسيًا، وشخصيًا. أرغب في ذلك أكثر من أي شيء آخر. وربما سيكون هذا أصعب فيلم يمكن إنجازه.
تعليقات
إرسال تعليق
هل أعجبك المقال؟ شاركنا رأيك!
نحن نؤمن أن السينما تصبح أكثر إلهاماً حين نناقشها سوياً.