هل نبالغ أحياناً في تحليل الأفلام

 

من "كينغ كونغ" إلى كوبريك... أين ينتهي المعنى ويبدأ التخيّل؟

في أحد مشاهد فيلم Inglourious Basterds، يكتب كوينتن تارانتينو حوارًا ساخرًا بين ضابط نازي وشخصيات أخرى، يخلط فيه الضابط - بذكاء ساخر - بين قصة "كينغ كونغ" وتاريخ تجارة العبيد الأمريكية. كل سؤال يطرحه يمكن أن يكون جوابه صالحًا للقصتين معاً.

هنا لا يخفي تارانتينو رؤيته: "كينغ كونغ" كرمز لتجربة السود في أمريكا. ولكن اللافت أن صنّاع الفيلم الأصلي أنكروا مرارًا وجود أي معنى خفي في العمل. فبالنسبة لهم، هو مجرد فيلم مغامرات بلا رمزية.

هذا الانفصال بين نية الفنان وتفسير الجمهور يفتح بابًا واسعًا لسؤال دائم في النقد السينمائي:

هل يظل التفسير صحيحًا حتى لو لم يقصده الفنان؟

لو اعتبرنا أن المعنى موضوعي ومحصور بنيّة الفنان، تصبح دائرة التحليل ضيقة: لا مكان لوجهات النظر المختلفة، ويُعامل كلام الفنان كحقيقة نهائية.
لكن إذا قلنا إن المعنى ذاتي، فإن الباب يُفتح أمام سيل من التأويلات والنظريات، بعضها غني، وبعضها قد يبدو عبثيًا كأن يحلل المعلم لون الستائر في رواية ويجعله دلالة على الاكتئاب، في حين أن الكاتب اختاره عشوائيًا.

فأين نضع الحد بين التحليل العميق والتحليل الزائد عن الحد؟

نوايا الفنان... هل هي مرجعنا الوحيد؟

بعض المخرجين يصرّحون صراحةً بما يقصدونه. الأخوان كوين مثلًا قالا إن The Big Lebowski مستوحى من روايات التحري القديمة، لكن بتشويه فكاهي. البطل مدمن على الماريجوانا بدل السجائر، والتحقيق يسير بطريقة عبثية أكثر من أن تكون منطقية.

في المقابل، هناك مخرجون يفضّلون الغموض ويُخضعون المتفرج لتجربة مفتوحة. ماري هارون، مخرجة American Psycho، طلبت من ويليم دافو أن يؤدي دوره بثلاث مشاعر متناقضة وكأن الشخصية مقتنعة بقتل باتريك بيتمان، ثم غير مقتنعة، ثم مترددة. وقامت بدمج هذه اللقطات لتزرع الشك في عقل المشاهد، ما يعكس طبيعة الفيلم الفوضوية والسامة.

المخرج أنغ لي فعل الأمر نفسه في Brokeback Mountain: صور مشاهد بأداءات مختلفة تمامًا أحيانًا يظهر أن الزوجة تعرف سر زوجها، وأحيانًا لا. في النسخة النهائية، لا يمكن الجزم بأيٍّ من الرؤيتين هي "الحقيقة". وهذا ما يجعل الفيلم مؤلمًا أكثر: الغموض في ذاته يُصبح جزءًا من التجربة العاطفية.

كوبريك والتحليل الذي لا ينتهي

حين نذكر التحليل الزائد، فلا مفر من ذكر ستانلي كوبريك. أفلامه أصبحت حقلاً خصبًا للنظريات، لدرجة أن وثائقيًا كاملاً مثل Room 237 بُني على نظريات غريبة حول The Shining. إحدى هذه النظريات تقول إنه وضع وجهه في الغيوم في بداية الفيلم! لكن ما يغفله البعض هو أن كوبريك نفسه قال:

"أنا لا أملك موارد غير محدودة. عليَّ أن أبرر ما أصوّره. وغالبًا لا أعرف تمامًا ما تعنيه بعض قراراتي. أنا أشتغل بالحدس."

هو لم يكن دائمًا يخطط لمعانٍ خفية. أحيانًا يتبع الإحساس، مثل الموسيقي الذي يرتّب النوتات دون أن يعرف بالضبط ما الرسالة التي سيخرج بها الجمهور.

إذًا... هل التفسير مهم حتى لو لم يقصده المخرج؟

نعم. لأن كل فنان، حتى حين لا يعترف بذلك، ينقل تجربته، ماضيه، مخاوفه، ثقافته من خلال خياراته الإبداعية. كوينتن تارانتينو نفسه اعترف أنه حين كتب مشهدًا بسيطًا في Reservoir Dogs لشخصية تنزف وتطلب الذهاب إلى المستشفى، فوجئ بأن النص حمل معنى عميقًا: علاقة أب وابنه تظهر من بين السطور دون قصد واعٍ منه.

ما يعني أن التفسير ليس حكرًا على نية المخرج. كل من شارك في الفيلم وضع بصمته الخاصة فيه.
تحليل فيلم "كينغ كونغ" كرمز للعبودية ربما لم يكن في ذهن صنّاع الفيلم، لكنه تحليل قوي ومدعوم بالظرف التاريخي ويضيف عمقًا جديدًا للفيلم. مثل هذه القراءات لا تلغي المتعة الأصلية للفيلم، بل توسّعها.

أما بعض التحليلات التي لا تصمد، فهي التي تفتقر للسياق والدليل، أو تفترض معاني بدون انسجام مع باقي الفيلم.
كما قال كوبريك:

"التحليل الزائد لأفلام الرعب الخارقة قد يجعلها تبدو سخيفة."
فالهدف ليس تفكيك المشهد، بل ما إذا شعرت بالخوف وصدّقت التجربة.

وفي النهاية، ربما ليست مشكلة الستائر الزرقاء في أنها ليست دلالة على الحزن، بل في أن الأستاذ تجاهل ما يجعل الرواية مؤثرة في الأصل: تجربتها الشعورية.


خلاصة:

تحليل الفيلم ليس مجرد لعبة ذهنية. هو محاولة للغوص في ما وراء الصورة لكن بشرط أن يضيف شيئًا، لا أن يُطفئ سحرها.
ليس الخطأ أن نبحث عن المعاني الخفية، بل أن ننسى لماذا تأثرنا بالفيلم في المقام الأول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عشرة نصائح في الكتابة والإخراج من دينيس فيلنوف

أفضل 11 شريرًا في تاريخ السينما

كيف تكتب مراجعة فيلم بأسلوبك الخاص: بين الشجاعة والاحتراف