كيف شكّل ريدلي سكوت ملامح الخيال العلمي المعاصر في فيلمين فقط


 يُعدّ Alien (1979) وBlade Runner (1982) من إخراج ريدلي سكوت من نوعية الأفلام التي تنفذ تحت جلدك وأحيانًا حرفيًا، وإن لم تكن قد شاهدت هذين الفيلمين من قبل، فأنت على موعد مع تجربة مميّزة. أما إذا كنت قد شاهدتهما، فأنت تدرك تمامًا سبب استمرارهما في التأثير على صنّاع الأفلام وإثارة المشاهدين لأكثر من أربعة عقود.

ومهما كانت تجربتك، فأنت غالبًا تعرف كيف غيّرا هذان الفيلمان قواعد نوع الخيال العلمي إلى الأبد. قدّم Alien الرعب الفضائي بطريقة لم يرها العالم من قبل، وحقق نجاحًا ساحقًا في شباك التذاكر آنذاك. أما Blade Runner، فعلى الرغم من أنه لم يكن ضربةً فورية عند إطلاقه، إلا أنه بات يُعتبر من كلاسيكيات الثقافة الجماهيرية في يومنا هذا.

في هذه المقالة، نود أن نشارك بعض الحب لهذين العملين التحفتين من توقيع ريدلي سكوت.


Alien (1979)

القصة

يتابع الفيلم طاقم مركبة "نوسترومو"، وهي سفينة تجارية، أثناء استجابتهم لإشارة استغاثة غامضة على كوكبٍ مقفر، ليُطلقوا عن غير قصد طفيليًا غريبًا (زِينومورف) يبدأ في مطاردتهم وقتلهم. تخيّل فيلم رعب دموي، ولكن في أبهى صورة من الفضاء الخارجي (“في الفضاء، لا أحد يسمع صراخك”).

لكن هذا ليس مجرد فيلم وحشٍ آخر. إنه فيلم لريدلي سكوت، ما يعني أن كل لقطة محمّلة بالمعاني الأعمق.

الموضوعات والرمزية

يتناول Alien موضوع الاستغلال المؤسسي من خلال عدسة الرعب الفضائي. يعيش الشخصيات حياة عمّالية بسيطة، ويُعرض عليهم الاستغلال في صورة "فرصة" أو "جزء من الوظيفة".

يفتتح الفيلم بسياق فرعي عن الاستغلال الرأسمالي، ليصبح لاحقًا محورًا صريحًا في الحبكة. فـ"نوسترومو" ليست سفينة إنقاذ، بل تجارية. لذا، عندما يتلقون نداء الاستغاثة، يُعرب "باركر" (يافيت كوتو)، أحد أفراد الطاقم ذوي المرتبة المتدنية، عن استيائه من قيامهم بمهام خطرة لا تقع ضمن نطاق عقدهم أو أجورهم.

حينها يذكّره زميله "آش" (إيان هولم) بأن العقد ينص على عدم تلقيهم لأي أموال أو أرباح إن لم يستجيبوا. وهكذا يُجبر الموظفون على الاختيار بين حياتهم ومعيشتهم وهو موضوع لا يزال يتردد صداه في عالمنا اليوم في ظل قوة الشركات التي لا رقيب عليها. من المصانع إلى ناطحات السحاب، ما زلنا رهنًا لأهواء أصحاب العمل.

وبحلول الوقت الذي يدرك فيه الطاقم المصير القاسي الذي حُدد لهم من قبل أرباب عملهم، يكون الأوان قد فات. إذ يُكتشف أن "آش" ليس إنسانًا، بل روبوت صناعي يعمل لصالح الشركة. وتكتشف "ريبلي" (سيغورني ويفر) أمر التوجيه السري رقم 937 من شركة "وايلاند-يوتاني":

"الأولوية الأولى: ضمان عودة الكائن للتحليل. جميع الاعتبارات الأخرى ثانوية. الطاقم يمكن الاستغناء عنه."

هذه الجملة تُبلور الرسالة المركزية للفيلم حول استغلال العمال، وهو نقد يبدو مرعبًا في راهنيّته بعد كل هذه العقود.

هناك أيضًا موضوع الخوف من المجهول. لكن بدلاً من استخدامه كأداة رعب سطحية كما في معظم أفلام تلك الحقبة، يصوّر Alien العواقب المظلمة للتدخل في ما لا نفهمه.

حين يصف "آش" الطفيلي بأنه "الكائن المثالي"، فهذه إشارة خفيّة إلى أن الدمار قد يكون مرغوبًا إذا كان يخدم مصالح معينة.

دورة حياة الكائن وطريقة تكاثره من أكثر عناصر الرعب قوةً في الفيلم. وأعتقد أن الأجنة التي تنفجر من الصدور أكثر رعبًا من الزينومورف البالغ، وتلك مفارقة لافتة.

اللغة البصرية

تميّز سكوت في Alien ببناء عالم بصري يُعد علامة فارقة في تصميم الخيال العلمي. ممرات "نوسترومو" الصناعية الضيقة والمغلقة تجسّد مشاعر العزلة والهشاشة.

اللعب بالظلال واستخدام الأضواء المتقطعة داخل المساحات الخانقة لا يسمح بتراجع التوتر. نادرًا ما يُرى الكائن بشكل كامل، بل يُلمّح إليه من خلال الظل والضوء تذكير قوي بأن "الخوف من المجهول" أكثر فعالية من أي وحش مرئي.


Blade Runner (1982)

بعد ثلاث سنوات فقط، عاد سكوت بفيلم Blade Runner، وهو فيلم خيال علمي نيونواري غيّر إلى الأبد الطريقة التي يرى بها الجمهور هذا النوع السينمائي.

القصة

تدور أحداث الفيلم في لوس أنجلوس المستقبلية عام 2019، ويتتبع ريك ديكارد (هاريسون فورد)، شرطي سابق مكلف بتصفية النسخ البشرية المتمردة المعروفة باسم "ريبليكانت"، وهي كائنات مستنسخة شبيهة بالبشر.

تتعقّد الأمور حين يقابل "رايتشل" (شون يونغ)، نسخة بشرية تعتقد أنها إنسانة.

الموضوعات والرمزية

تحوّلت لوس أنجلوس الديستوبية إلى مسرحٍ تتلاشى فيه الحدود بين البشر والذكاء الصناعي. يناقش الفيلم موضوعات الهوية، والأخلاق، ومعنى الحياة.

يعكس الصراع مع الذكريات المزيفة كما هو حال النسخ تساؤلات فلسفية حول الوعي والذات. والهدف من خلق هذه الكائنات ليس فقط تقليد البشر، بل استكشاف المشاعر والإنسانية من خلال آلة.

عالم الفيلم يسوده تحكّم الشركات والانهيار البيئي، وتُمثّل "الريبليكانت" الطبقات المُستغلّة.

وربما، في جوهره، فإن Blade Runner هو فيلم درامي رومانسي وأكشن خيالي علمي.

يُعد "روي باتي" (روتغر هاور) أحد أعظم "الخصوم" في السينما. إنه ليس شريرًا بقدر ما هو ضحية لظروفه. مخلوق يعرف موعد نهايته، في عالم لا يريد له البقاء.

وفي نهاية الفيلم، حين يختار إنقاذ "ديكارد" بدلاً من قتله، يُثبت أنه لم يكن يسعى إلا لأن يكون إنسانًا وهو الشيء الوحيد الذي لم يُمنح له.

اللغة البصرية

الطابع النيونواري لـ Blade Runner هو من أبرز عناصره البصرية. ممزوجًا بخيال علمي مستقبلي، تتكوّن بيئة الفيلم من شوارع مبلّلة، أضواء نيون، وظلمة دائمة مما يعزّز الإحساس بالانحلال والغموض الأخلاقي.

تكرار الرموز مثل العيون، والأوريغامي، ووحيد القرن يفتح الباب أمام تفسيرات متعدّدة حول الإدراك، والأحلام، وطبيعة الواقع. وبإبقائه الأسئلة بلا إجابات، خاصةً فيما يخص إنسانية "ديكارد"، يدعو سكوت المشاهدين للتأمل والتأويل.


خاتمة

رغم اختلاف النغمة والنوع، إلا أن الفيلمين يجسدان موهبة ريدلي سكوت في استخدام كوابيس المستقبل لإضاءة هموم الحاضر. فأفضل أفلام الخيال العلمي، في جوهرها، كانت دومًا عن البشر.

ما هي العناصر المفضلة لديك من هذين الفيلمين؟ شاركنا رأيك!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عشرة نصائح في الكتابة والإخراج من دينيس فيلنوف

عشرة أدوار لا تُنسى لمايكل مادسن

ما هو أكثر مشهد "سبيلبرغي" في أفلام سبيلبرغ؟